المجلس الاستشاري لحقوق.. الرعية !



كان الراحل الحسن الثاني يخطب في من نصّبهم أعضاءً في "المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان"، يوم الثلاثاء 8 ماي 1990 بالرباط، وعندما قال : "ولكن أنا لا يمكنني أن أعلم كل شيء، وليس فـي إمكاني أن يصل إليّ كل خبر، وليس بإمكاني أن أعرف ما هي الحالــة في السجن الفلاني أو في السجن الفلاني، ولكن الذي هو واجب علي هو أن أقوم الاعوجاج، وأن أنصف المظلوم"... وبعدها جاءه حاجبه وهو يخطب فكلّمه أمام الكاميرات... ثم وضع الحسن الثاني يده على الميكروفون وقال قريبا من هذه الجملة "أنا كمّلتْ" فانقطع الإرسال المباشر من تلفزة دار البريهي. فماذا قال له الحاجب؟
إنه أعلمه بشيء.. أوصل إليه خبر.. مكّنه أن يعرف الحالة.. في محكمة الاستئناف، في قلب العاصمة الرباط القريبة من مجلسه الذي يخطب منه، حيث كان القمع على أشده بمناسبة بدء المحاكمة الإستئنافية لأعضاء مجلس الإرشاد لجماعة العدل والإحسان. ثم قرّر المتجمهرون في بهو المحكمة على الاعتصام بها بعدما ضاقت، منذ صباح ذاك اليوم (8 ماي1990)، مخافر الشرطة وملحقاتها بالرباط وسلا بآلاف المعتقلين من أعضاء الجماعة والمتعاطفين معها الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى المحكمة ليؤازروا إخوانهم المظلومين..

ها قد وصل الحاكمَ الخبرُ، في نفس اللحظة التي يُنصّب مجلسه الاستشاري.. فهل قام بإنصاف المظلوم؟ هل قوم الاعوجاج؟ أبدا.. فقد حكمت الاستئناف بنفس الحكم الابتدائي، واستمر اعتقال المؤازرين حتى مساء اليوم...
أعضاء المجلس الاستشاري تابعوا الواقعة بتفاصيلها، وهم قبل انقطاع الإرسال سمعوا من الملك القول التالي: "فأنتم ستكونون مرآة للحقيقة الموضوعية التي سوف ترونها وترون إليها من جميع الزوايا والمقاييس لتعتبروها هل هي داخلة في اختصاصاتكم ولتعرضوها علينا في أقرب وقت ممكن مع توصيات وملتمسات تساير الحق والحقيقة. وهذه أمانة على عنقكم حتى لا يبقى في هذا البلد رجل لا يتمتع، ولو كان محكوما عليه، بالكرامة الضرورية، أو لم يتم له أن يتمتع بجميع الضمانات التي يعطيها القانون والمسطرة القانونية والجنائية... هذا هو عملكم، وهذه هي مهمتكم، ومهمتكم هي أن تغسلوا للمغرب وجهه لأنه لكل سبب تأتى منظمة العفو الدولية وتمارس علينا الرقابة وكأننا لازلنا تحت الحماية."
ها قد سمعوا الملك يحملهم الأمانة، وها قد رأوه ينفذ الأمانة، فماذا يعتمدون كمرجعية لعملهم في المستقبل لكي "يغسلوا وجه المغرب"؟ خطاب الملك !  قانون المجلس !   منهجية الملك في التعامل مع قضيةٍ حضروها مباشرة يوم التنصيب؟
أول واقعة تناولها المجلس الاستشاري في دورته الثالثة يوم 18 فبراير 1991، تبين لنا بوضوح كيف انضبط المجلس الاستشاري للمنهجية المخزنية التي تسمو على القوانين والخطابات...
هكذا جاءت مذكرتهم المرفوعة إلى الملك في نفس اليوم، وهي تتعلق بملف عائلة أوفقير.
" وامتثالا للأمر السامي بإحالة ملف عائلة أوفقير إلى المجلس لمناقشته، عكف الأعضاء على دراسته دراسة مستفيضة.
إن صاحبة الطلب التي جددت تعلقها وولاءها، أصالة عن نفسها ونيابة عن أولادها إلى السدة العالية بالله، لتؤكد كما جاء في رسالتها أنها تعيش في ظروف جد حسنة فمن الناحية المادية ليست في حاجة إلى أي شيء، تتمتع بالعلاجات الطبية، وتستقبل بانتظام أفراد الأسرة المقربين، وأن قضيتها قد استغلت استغلالا سيئا، واستعملت استعمالا مغرضا ضد مقدسات البلاد، ملتمسة من مولانا أمير المؤمنين العفو السامي الكريم."
" إن المجلس وهو يشعر بفخر واعتزاز وقد شرفته، الجلالة الشريفة، بأن يبدي الرأي في قضية من اختصاصات أمير المؤمنين، ليلتمس من مولانا الإمام، إصدار أمره السامي بتمتيعها بحِلم جلالته ورأفته حتى تندمج هي وأولادها في الجماعة وتستحق صفة الرعية.."

Haut du formulaire
Bas du formulaire

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟