هل السياسة ملعونة؟


في الغرب أصبحت قاعدة أن لا تجتمع السياسة والصدق في جوف واحد. وهذا ما خلص إليه حكماؤهم، قال ونستون تشرشل : "رأيت وأنا أسير في أحد المقابر ضريحا كتب على شاهده : هنا يرقد الزعيم السياسي والرجل الصادق، فتعجبت كيف يدفن الاثنان في قبر واحد."
 
تشربنا هذا المعنى رويدا رويدا مع حبات الاستبداد حتى قال حكماؤنا : "لعنَ الله ساس ويسوس". وأُعجب الاستبداد عندنا بهذه الخلاصة لأنها أصلت للاستقالة من الشأن العام ومحاسبة السياسيين... عندما عجزت العلمانية عن تأصيل الفصل بين الدين والسياسة بإزاء نصوص غربية وغريبة عن الأمة.
قال الإمام عبد السلام ياسين : "لعنَ الله ساس يسوس وما تصرف منها !" هذه كلمة مأثورة في الأوساط الخاملة، بل هي دستورُ الاستقالة من الاهتمام بشؤون الأمة. وتحت الكلم يقبع الجُبْنُ من الحاكم، ويتخفى "دين الانقياد"، وتعشش عادة الطاعة العمياء السلبية لحامل الهِراوة. ويتبرأ لك مَنْ تخاطبه من دهماء الناس وسَرَاتِهم من جريمة السياسَة كما يتبرأون من العيب العائب. " إمامة الأمة.
ما هي السياسة إذن، قال الاجتماعي الأول، ابن خلدون رحمه الله : "السياسة المدنية هي تدبير المنزل أو المدينة بما يجب بمقتضى الأخلاق والحكمة ليحمل الجمهور على منهاج يكون فيه حفظ النوع وبقاؤه." المقدمة.
للسياسة مخاطر كبيرة، وهذا طبيعي لأنها، تدبير للمال والمناصب والحقوق والعنف... وهذه الوسائل إذا اجتمعت في أيدي قليلة أبدعت فسادا واستبدادا مطلقا. أما الغرب فحاول حلّ هذا الإشكال بتشتيت هذه الوسائل على أجهزة كثيرة وسماها فصل للسلط، ونحن نضيف إليها وجوبا : ذمة السياسيين.
الذمة ليست هي العنوان الديني فقط، لأن من الصحابة من منعه الرسول صل الله عليه وسلم من تحمل المسؤولية. إنما الذمة عنوانها الرجولة والرشد والحكمة. وبهذا أعرف آثار السياسة كالتالي : "السياسة تعري الانسان تنزع عنه لبوسه .. لتُظهر للناس حقيقته، إما مروءَته أو سوْءَته."

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟