الخلافة "على منهاج النبوة" بين روسّو والعروي

-1-

نشر عبد الله العروي في سنة 2012 ترجمةً لكتاب جان جاك روسّو ”عقيدة قس من جبال السافوا وعَنونَه دين الفطرة.

كتاب روسّو ظهر في سنة 1761، وهو في الأصل، تجميع لمواعظ (في الدين والحياة) كان يبوح بها قسّ لروسّو أثناء صحبتهما في جبال السافوا.

والعروي لمّا كان يعرف أنه يترجم كتابا مثقلا بالمعاني الدينية والروحانية“ التي تعاكس مفارقاته العقلية، تعمّد أن يُفجع القارئ العربي بإشارتين، إذا جُمعتا تعطيان معنىً لنظريته في القطيعة مع التراث (وهو عند العروي مصادر الدين وغيرها)، ثم الانخراط الواعي ضمن ما يسميه ”المتاح للبشرية جمعاء.

قال العروي في مقدمة كتاب روسّو:
-        بعد هذه المرحلة الفاصلة (الاكتشافات العلومية) أصبح من العبث التنقيب عن توافق في الجزئيات .. بين مفكر غربي وآخر إسلامي.
-        لكن من الواضح أن معلوماته (روسّو) حول الإسلام كانت جد محدودة.. ما يقوله روسّو عن الإسلام هامشي، بقدر ما هو هامشي ما يطابق من كلامه خطاب المصلحين المسلمين. انتهى كلام العروي.

تأملوا معي في هذا النص الذي خطّه روسّو في سنة 1762، وانظروا هل حقا معلومات روسّو عن الاسلام كانت محدودة وهامشية؟
يقول روسّو: «وأما محمد فكانت له تصورات قويمة جدا، فإنه أحسن شدّ عرى نسقه السياسي؛ وطالما أن شكل الحكم (يقصد المنهاج) الذي أقامه قد استدام في عهد الخلفاء الراشدين فإن هذا الحكم كان واحدا هوَ هوَ تماما، فكان لهذا السبب عينِه حكما صالحا. غير أن العرب، وقد آل أمرهم إلى الازدهار، وصاروا أهل أدب ولطف وميوعة، وتراخت عزيمتهم، قهرهم الهمج وأخضعوهم، فعاد إذّاك الفصل بين السلطتين إلى الظهور. ولئن كان هذا الفصل أقل بروزا عند المسلمين منه عند النصارى، فإنه موجود على الرغم من ذلك بين ظهرانيهم، ولا سيما داخل شيعة علي، بل هناك من الدول كدولة الفرس لا يزال فيها هذا الفصل ملحوظا.» انتهى كلام روسّو.

هذا الموقف من طرف روسّو كلفه كثيرا من المعاناة من قبل الأعيان (notables) الخائفون من فكر روسّو، والتقت هذه الإرادة مع إرادة أقرانه الفلاسفة الذين همشوه، وأبعدوه ثم حاربوه.. وفجيعته في فولتير معلومة للباحثين وقد يكون هذا الموقف من نظام الحكم في الإسلام أحد الأسباب.
قرائن عديدة تؤكد أن حربا (معنوية ومادية) شنّت على روسّو، منها ظهور كتاب قبيل الثورة الفرنسية بأشهر لأحد الكتاب، استعمل فيه صاحبه أخفّ عبارات الحنق ضد روسّو، لكنها تبين بوضوح عمق التدمر المسيحي/الفلسفي من هذا الفيلسوف الذي يمثل أحد أصدق عقول النهضة.

في ردّه على قولة روسّو السابقة، يقول الكاتب الغاضب: «ماذا نعني بذلك؟ أن محمدا له نظرة أكثر صحة من يسوع؟ أن نكون محمديين أفضل بكثير من أن نكون مسيحيين؟ .... صحيح أن الكراهية العمياء، التي تظهر هنا ضد المسيحية، تعمي حتى العقول النيرة وتتسبب في اضطراب الرجال ذوو المنطق السليم.»

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟