أخلاقياتنا في القيادة



في غزوة الخندق اشتد حصار الأعداء على خير البشر وأصحابه، فاشتد بهم الجوع، حتى كان يجيء الرجل يشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ألم الجوع ويخبره أنه يربط على بطنه حجرا ليسكن من ألم معدته، فكشف النبي الحبيب على بطنه ليَرى الناس أن رسولهم ربط حجرين وليس واحدا.
                            
 درسٌ نبوي بليغ، مفاده: عند الشدائد والأزمات تتحمل القيادة أكثر مما يتحمل عامة الناس لتعطي لهم برهان الرجولة ومحفزات الصبر.

لما فتح الله على رسوله ونصره على الأعداء، قام النبي صلى الله عليه وسلم بعد الغزوة يقسَّم الغنائم على عامة الناس ولم يعط شيئا لأهل بيته ولا لأصحابه. غضب بعض الأصحاب وبدأوا يتكلمون، فأسرع النبي الرحيم ليرفع هممهم الرجولية ويفهمهم أن المال ليس غاية الرجال ولو بذلوا      " وضحّوا " بحياتهم، لكن جزاء الكرام كرم الجنان ووجه رب كريم، فاطمأن الصحابة ورضوا بما اختار لهم رسولهم العظيم، أما الذين أخذوا المال فهم إما ضعيف الحال أو ضعيف الإيمان، وهم المؤلفة قلوبهم، كثير منهم حسن إيمانهم لما رأوا أن الرسول لم يفضل أصحابه عليهم بالعطايا رغم أنهم حديثو العهد بالإيمان، بل لمَّا يدخل الإيمان في قلوبهم.

دروس نبوية كثيرة عنوانها:
- القيادة في الرخاء تتعفف وتعطي العامة قبل الخاصة؛
- الأولى بالتحفيز الضعفاء؛
- المال ليس المحفز الوحيد وإن كان ضروريا؛
- التمييز في العطاء يضر حتى بقلوب الرجال ...؛

كلمة رجال أكررها كثيرا لعل الله يجعلنا منهم، ولست أقصد بالرجال المعنى المعروف المضاد للنساء، بل أستعملها بحمولتها القرآنية: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا". وغيرهم يسميهم القرآن أعرابا لأن الإيمان لم يدخل قلوبهم بعدُ، وأن فيهم جفاءٌ وغلظةُ طبْعٍ في القول والفعل وسوء أدب مع القيادة.
واحد منهم أتى النبي صلى الله عليه وسلم من الخلف وجر عنه بُرْدَته بعنف حتى آلمَتْ عنقه الشريف، ثم قال له: أعطني مما أعطاك الله, فغضب عمر وأراد أن يُهلك الأعرابي غيرة على رسول الله، لكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عَلّم عمرا أن يأمر الأعرابي بحسن الطلب ويأمر الرسول بحسن العطاء.
  
درس نبوي آخر عنوانه: القيادة لا ترفض المحاسبة ولا تمنع الناس انتقادها بل تتحمل أذى العامة، أما المقبلون على القيادة فينزع منهم خيار القمع لتحل الحكمة والرحمة مكانه.

لذلك لما صارت القيادة لعمر وقف على المنبر يوما وسأل الصحابة : أرأيتم لو مِلْت كذا و كذا ماذا أنتم فاعلون؟ فقام سلمان وقال حينها نُقَوّمُكَ كذا و كذا يا عمر فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في الأمة من يقوم اعوجاج عمر . أقرأ مرة أخرى ماذا قال سلمان ... واعلم أن بين السلم والاستسلام من المسافة كما بين الصحابي سلمان وأعراب هذا الزمان.
سلمان رضي الله عنه كان فارسيا ولما أسلم اقترح على الرسول الحكيم في غزوة الخندق خطة للإنقاذ بعدما تأزم الوضع على المسلمين وحوصروا من كل جوانب المدينة، فأعجب المسلمون بسلمان إلى درجة أن كل قبيلة أرادت أن ينتسب سلمان إليها، فقال لهم الرسول الرحيم:       " سلمان منا أهل البيت ". أربع كلمات هي أعظم من مال الدنيا عند سلمان.

درس أخير: الأقرب من القائد أنفعهم للناس وأرجحهم عقلا وأشجعهم موقفا ولو كان من غير ذوي القربى.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟