شموع لن تنطفئ


قليلة هي النماذج التي حافظت على رجولتها في ظل المعمعان النقابي الذي لم تعد سماته تخفى على أحد، من أوصاف هذا المعمعان:

عدم الوضوح في الأهداف والوسائل...
غياب شبه تام للتواصل مع القواعد...
لا تعبئة ولا استشارة ولا إشراك للشغيلة في بناء مصيرها الاجتماعي...
تفاوض بليد شعاره السلم الاجتماعي وحقيقته الاستسلام المصلحي...

هل هذا الوصف مظلم لا يرى الحقيقة الناصعة أمامكم؟.. أم أن الوصف شهادة حق على ظلام الوضع وتأزمه تؤكده الحصيلة التي هي بين أيديكم؟..
يجيبنا أحد " رموز" نقابتنا العتيدة بكلام حفظوه له " من الناس من يزرع اليأس داخل العمال". لعله يقصد أمثالي، ولعله لا يدري ماذا يقول، ما أعرفه عن هذا "الرجل" هو أنه يشبه الأبكم الذي تعرفون نكتته، أرويها للتذكير:
اشتكى أبكم لصاحبه عدم قدرته على النطق بما يريد عندما يسأله نادل المقهى ماذا يشرب،   
فعلمه بصعوبة النطق بكلمة كو.. كا  ... كوكا، فكان كلما سأله النادل ماذا يشرب ينطق بالكلمة الوحيدة التي تعلمها : كــوكــا.
استمر على هذا الحال حتى سئم مشروب الكوكاكولا فطلب من صاحبه أن يعلمه كلمة أخرى يستريح بها من الكوكا، فعلمه بشق الأنفس كلمة قهو.. قهوة.
ذهب صاحبنا الأبكم للمقهى كعادته فسأله النادل ماذا تشرب قال: قــــهوة.  فقال له النادل كيف تريدها؟ قال الأبكم: كــــوكـــا.
ممثلنا النقابي صاحب نظرية زراعة اليأس منطقي مع نفسه لأنه أولا ببغاء لا حرج عليه، ثانيا لأنه يستمتع بأموال العمال ويقضي مصالح أقربائه على حساب المستضعفين... فكيف يا تُرى يعرف اليأس وهو في النعيم يرفس؟.
كان هذا "المسؤول" يتجول في الصخور السوداء بسيارته الفاخرة معية حارسين شخصيان – من العمال - في نفس الوقت الذي جيء بالأخ يوسف الراضي من تازة إلى البيضاء في سيارة متهالكة آلمت جسمه كما آلم المرض كليتيه.
التقيت بالأخ الراضي في مصحة "المعاريف الخاصة" فوجدته رجلا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، غيره على فراش المرض لا يحدثك سوى عن مرضه ويستعجل العلاج أو يشتكي الطبيب...
لكنني طيلة مدة الزيارة لم أسمع من الراضي إلا رضا بقضاء الله وسخطا على الظلم الذي يصيب عباد الله في حقوقهم وكرامتهم، وفي مرات كثيرة كان يشتد به الألم فنحاول أن ننسيه الأمر ببعض المواضيع فيعاوده الحال ألما ولوعة على حال الكهربائيين، الذين حرموا وحرم الأخ الراضي أن يعالج في مصحاتهم بالبيضاء والتي كانت مضرب المثل فأصبحت خراب يعشش فيها الوباء، وفوق هذا قطعت عنها شركة ليديك الماء والكهرباء، لماذا؟. لأن تعاضديتنا المسكينة لم تجد المال لتؤدي فواتير الماء والكهرباء.

نعم يمثل الأخ الراضي شمعة مضيئة في ظلام النقابة الدامس الذي لا يعلم سوى الله ما ستؤول إليه مكاسب الكهربائيين وحقوقهم لمّا تسلط عليها أبطال من ورق يريدون أن يوقعوا للإدارة على بياض حفاظا على ميزاتهم ومقاعدهم.
شمعة هو من الشموع الكثيرة التي تحترق لتضيء للناس الطريق، لكن القدر يهيئ الشموع لتتحول لمنارات شامخات تنير للناس المسار النقابي الحقيقي، ليصطلح العمال مع ممثليهم عندما يتيقنوا من صدقهم؛ وثقتهم؛ وخوفهم من اليوم الذي يُسألون فيه أمام الله عن الأمانة، وهي عند الله خلاص أو خزي وندامة.
أضم صوتي للأخ الراضي ولأمثال الراضي، وأعلم أن أصواتنا جميعا غير مرغوب فيها، بل تُسد أبواب الجامعة في وجوهنا، لأننا نشترك في نفس الصفة: حب الخير وكراهية الظلم.
ولأننا كذلك سنظل نزرع الأمل، حفاظا على الشموع أن تحترق؛ وعلى الحقوق أن تُختَرق؛ وعلى القلوب أن تَفترق، والله حسبنا وهو نِعْم المُوفِق.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟