قوة الحجة وحجة القوة

لا يختلف اثنان أن كل تنظيم إنساني يسعى من بين أهدافه إلى التوسع وتكثير الأعضاء والمنخرطين، لأن ذلك من أسباب الاستمرار والتجدّر وتحقيق الأهداف، والنقابات المهنية والعمالية لا تخرج عن تلك القاعدة، بل تُقاس قوتها وفعاليتها في تزايد أعداد المنتمين لها بسبب اقتناعهم بمبادئها واستعدادهم لتحقيق برامجها النضالية.
من هنا تسعى النقابات إلى استدراج أعداد كبيرة من العاملين لتحقيق مبدأ النقابة الأكثر تمثيلية، ولتحظى بمهمة التفاوض مع أرباب العمل وممثلي الحكومة، أو بشرف تمثيل المغرب في المنظمات الدولية للعمل.
لكن كيف تتمكن النقابات من تكثير السواد واقتناص أعضاء جدد ومنخرطين يرفعون رصيدها في لوائح الأعضاء؟ كيف تُقنع النقابات العمال لينضموا إلى صفوفها وينتظموا في هياكلها؟ ما هي الوسائل المعتمدة في التواصل مع العمال؟ وما هو الخطاب النقابي الذي تستعمله النقابات للتأثير في الشغيلة؟
تمثل هذه الأسئلة مداخل لبرامج نقابية في أبعادها النضالية والتواصلية والتكوينية لَذا النقابات التي تحترم الشغيلة بشكل خاص والمواطنين بشكل عام، كما تبحث النقابات الجادة عن قوة الحجة لإقناع العمال بجدية مطالبها وفعالية برامجها وقوة نضالها لتحقيق الأهداف المادية بالأساس ثم المعنوية تبعا لذلك.
لست أحلم أو أقرر شيئا غير موجود، بل هذا هو دَيْدَنُ النقابات في كل بلدان الدنيا حتى المتخلفة منها، وأمامكم الشبكة العالمية التي من خلالها يمكنكم أن تَطّلوا على ما يقع في كل العالم بقليل من الدراية ومن البحث، ستجدون أن في كل الدنيا تبحث النقابات عن قوة الحجة لكسب الأعضاء إلا في بلدنا الحبيب الذي لا يحسن ساسته ونقابيوه إلا حجة القوة، والفرق كبير بين قوة الحجة وحجة القوة.
يخاطب عقلك ومشاعرك من يستعمل قوة الحجة في إقناعك قصد الانضمام إليه والانخراط في برامجه أو الاحتكام لقوانينه، فأنت في نظره إنسان عاقل بل ذكي لا ينفع معك إلا مقدار أكبر من النباهة والذكاء ليؤثر فيك فتكون له تابعا بشكل سَلِسٍ وطَيّع بل تصبح عضوا فعالا مشاركا في عملية التوسيع.
لكن كيف ينظر إليك من لا يُضيع الوقت في الإقناع والبحث عن الحجج، بل يستعمل معك بشكل مباشر القوة وسوط التهديد والوعيد لتتبعه، إنه هنا لا ينظر إلى العامل سوى أنه إنسان جاهل لا يستحق أن يخاطِب عقله أو ذكاءه ليقتنع، بل يخاطِبُ حيوانيته بِلُغَةٍ فيها كثير من الترهيب وقليل من الترغيب.
تريدون أمثلة على ذلك؟ الأمر بسيط جدا، فلا عليكم سوى أن تسألوا ممثلا نقابيا: لماذا أنخرط في الجامعة الوطنية لعمال الطاقة؟ ماذا حققت لنا الجامعة - على الأقل بعد عبد الرزاق -  لكي أُوَقّع على ورقة الانخراط في شكل اشتراك غير محدد؟ ...؟ إذا تجرأتم وطرحتم بعضا من هذه الأسئلة فستسمعون العجب العجاب...
سيقول لك أحدهم: واش كنتِ تقدر تحل فمك فيام عبد الرزاق؟ يمنون علينا بنعمة فتح الأفواه.
سيقول لك آخر: خصك تنخرط باش تولي الإدارة تخاف من النقابة! نملة بن شداد.
سيقول لك ثالث: من نهار دخلتي للمكتب ونت فالجامعة، يكما وليتي مع الفدشة؟ إن لم تكن معي فأنت ضدي.
أين هي قوة الحجة في هذه التعليلات؟ لن تجد سوى " كلام الزنقة " وهو الخطاب الذي لا تتقن بعض رموزنا النقابية غيره.
النقابات الجادة والفعالة هي التي تبادر العمال وتعرض عليهم برنامجها النضالي أو برنامجها التأطيري أو تذكرهم بما انتزعته من مكاسب لصالحهم، أما عندنا فلا شيء من ذلك في محفظة " المناضلين ":
هل سمعت الكاتب العام للجامعة يتحدث يوما عن برنامجه النضالي؟
هل حضرت يوما في لقاء تواصلي مع أحد الرموز النقابية؟ لا أتكلم عن اجتماعات "الحلايقية".
هل استفدت في حياتك من دورة تكوينية أو تأطيرية؟
إني أخاطب العمال والنقابيين على السواء، وأنا متأكد أن كليهما سيجيب بالنفي.
لذلك سيتوسل المستحكمون في النقابة أن تجود عليهم الإدارة بوسائل الإستقواء والحجة أمام العمال من قبيل زيادة في منحة هنا أو منحة هناك، هم في حاجة لذلك أكثر من أي وقت آخر، لأنهم يرون أن القواعد النقابية لم تعد تجد أجوبة على تساؤلات العمال (الشرعية)، ويرون إدبار القواعد العمالية عن الانخراط في جامعتهم، ويرون اقتراب انتخابات مناديب العمال واللجان الثنائية ومؤسسات الأعمال الاجتماعية والتعاضدية التي لن تكون كسابقتها لأسباب عديدة منها وجود الضرة... كل هذا يدفعهم للإلحاح في الطلب ليس لسواد عيوننا، لكن لدوام سيادتهم، وستعطيهم الإدارة بعضا من ذلك، ولكن بأي مقابل؟
أي عاقل هذا الذي يشعل النار في ورقة 200 درهم ليبحث عن بضع دراهم؟ وأي مناضل هذا الذي يذبح المكاسب التاريخية على الأعتاب غير الشريفة ليرجع بالبخور؟
في مساق الضعف والانهزام الذي هو عنوان مكتبنا الجامعي الحالي، وفي سياق الأزمة الاقتصادية الوطنية، ليس هنا من حصيلة نطلبها من الجامعة أكثر من الحفاظ على المكاسب من قبيل قيمة التقاعد وامتيازات النظام الأساسي للعمال.
سأظل أؤكد على أن مكاسبنا التاريخية في خطر، وسأظل أؤكد على أن السبيل لذلك هو جامعة قوية وذكية.
لكني في المقابل لا أنافق وأصف الباطل حقا ليرضى زيد أو عمرو، وسأظل أُلِحّ على المعادلة التالية لكي تصبح جامعتنا قوية وذكية = نضال + تكوين + تواصل/ مقسوم على جميع النقابيين، هذه هي شروط القوة، وإلا فإن العمال سيعاقبونكم اليوم بعدم الانخراط ليس كُرها في جامعتهم ولكن احتجاجا على سوء تسييركم لها، وغدا عندما ينتبهون من سباتهم سيحاسبونكم بشدة لا تنفع معها أية قوة، وبعد غد لن تجدون أمام الله أية حجة.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟