قطاع الكهرباء.. سيناريوهات ما بعد الضبط

دجاجة تبيض تمساحا
مشروع قانون رقم 15-45 المتعلق بالهيئة الوطنية لـ «ضبط قطاع الكهرباء» والذي صادق عليه مجلس الحكومة الملتئم يوم 17 شتنبر 2015، هو المسمار الأخير في نعش مؤسسة عمومية كان اسمها « المكتب الوطني للكهرباء ». العارفون ببنية قطاع الكهرباء وأهم اللاعبين فيه والأطماع المُعبـّـر عنها منذ عقود لا يجدون تشبيها أبلغ من وصف هذه الهيئة بالبيضة التي تبيضها دجاجة لكن بداخلها تمساح سيلتهم الدجاجة وكثير من الديكة ليكبر.
أما الذين يُركــّـزون تأملاتهم على الجزء المملوء من الكأس، فيرون في هذا التشبيه حُكما قاسيا أو عدمية لا تريد للقطاع أن يتطور بإزاء ذكاء الرأسمال الخاص (ملكي ودولي) الذي يمثل حوافز مالية وتقنية « لتشتيت احتكار الدولة » لهذا المرفق العمومي الذي تأسس منذ سنة 1963.
ولكي نؤكد على موضوعية تحليلنا، سأعترف منذ البداية أن هذه الدراسة كتبتها قبل سبع سنوات ونسيتها في خضم أولويات أخرى، ولما راجعتها قبل أيام وجدتها لا تزال تمثل أفكار الساعة بل منها ما تم تفعيله عمليا في القطاع لكي يعطي معنى للسيناريوهات التي كانت وقت كتابتها مجرد تأملات في صيرورة قطاع أُعلن عن بداية نهايته في بحر 2005.
بداية النهاية
في سنة 2005 كانت قطع الدومينو محصورة في فاعل وحيد، هو المكتب الوطني للكهرباء، الذي ينتج 50% من الكهرباء ويشتري 42% من شركة جليك (التي أخذت منه بصفقة 1997)، ويستورد 8% من الخارج. المكتب يحتكر نقل الطاقة الكهربائية بإزاء خطوط تمتد على طول 18 ألف كلم. ويقوم بتوزيع الكهرباء لصالح 3 ملايين زبون (99.5% من الجهد المنخفض، والبقية من الجهد المتوسط والعالي) في حين توزع وكالات تابعة للجماعات الترابية في مدن كبيرة، والمدن الأكبر منها تم تفويض التوزيع لفاعلين أجانب (فرنسيين في الدار البيضاء، اسبان في الرباط والشمال).
في شهر أبريل من سنة 2005، استغل أحدهم إضرابا في المكتب دام لساعتين فقط ليطلق إشارة الانطلاق لتغيير بنيوي في المكتب الوطني للكهرباء، بدأه بتغيير المدير العام أحمد ناقوش وإلحاقه بمجموعة أونا (ONA) والذي سيكون الفاعل الأساسي في فرع الكهرباء داخل المجموعة، حيث كان إحداث هذا الفرع من الأهداف الإستراتيجية للمجموعة الملكية التي تسعى للتوسع أكثر في قطاعات التوزيع والخدمات، خاصة التي هي مقبلة على التحرير والخوصصة، وأحمد ناقوش كان هو الأكثر تأهيلا لذلك على اعتبار مركزه السابق الذي فتح له أفاق التواصل مع الفاعلين الوطنيين والأجانب في قطاع الطاقة، ثم لكونه أَعرف بالبيت الكهربائي والذي بلا شك سيستغل شبكة المعارف فيه لتحقيق أهداف المجموعة بأقل تكلفة ممكنة.
أما المدير يونس معمر، فبدأ في سنة 2006 سباقا مع الزمن لكي يحول المكتب الوطني للكهرباء إلى شركة مساهمة يضع لها بإزاء المقاربة الأنجلوفونية مكانا متميزا في الجوار الإقليمي وجنوب الصحراء، لكن أصحاب القرار لم تعجبهم هذه المقاربة فنَحّوا صاحبها في سنته الثانية وأتوا في 2008 بعلي الفاسي الفهري ومعه تعليمات واضحة : "إدماج مكتب الماء مع مكتب الكهرباء". المخطط كان واضحا : تجميعٌ للمكتبين ليسهل بيع أصولهما المربحة.. ! وهو ما يقع بالفعل منذ بداية 2015.
فما هي سيناريوهات قانون الضبط بعد مرحلة بيع الأصول غير الاستراتيجية (Les actifs non stratégiques) ؟
1.    سيناريو فك الارتباط
يُقصد بذلك أن تعاد هيكلة المكتب إلى أربع وحدات وظيفية:
1.    قطاع الكهرباء - إنتاج، تراقب وتسير كل وسائل الإنتاج الوطنية والدولية.
2.    قطاع الكهرباء -  نقل، تراقب شبكة النقل العالي وجد العالي.
3.    قطاع الكهرباء - توزيع، يتم الاقتصار هنا على الشق التقني أي تدبير شبكة التوزيع الوطنية.
4.    قطاع الكهرباء - تسويق، تتكلف ببيع الكهرباء للمستعمل النهائي.
سوقان للإنتاج
في هذا الإطار يستشرف المقررون أن تكون في المغرب سوقان للإنتاج:
1.    سوق مقننة، تضم الشركات التي تربطها علاقة تعاقدية/مشتري وحيد مع المكتب كشركة جليك، وتاحضارت، المحطة الحرارية لآسفي التي يشترك فيها إلى جانب شركة الملك فاعلون من اليابان وفرنسا،... أو تلك المحطات المكلفة التي لا تستعمل سوى بشكل احتياطي، كالمعامل المائية والعنفات الغازية المكلفة...
2.    سوق حرة، تضم الربط القاري مع أسبانيا، ومحطات الإنتاج المستقل للكهرباء (ريحي - شمسي) مع عدم ضمان الشراء وعلى رأسها شركة ناريڤا التي يديرها أحمد ناقوش لصالح الهولدينغ الملكي والتي بدأت منذ 2012 تستولي على كبار زبناء المكتب الوطني للكهرباء.
نقل محتكر
يبدو أن كل السيناريوهات تلتقي على ضمان احتكار الدولة لنشاط النقل، أي أن تظل شبكة الجهد العالي فما فوق في ملكية الدولة، وأن يقوم المكتب - أو في إطار هيكلة جديدة قد تكون شركة وطنية لشبكة النقل (كتب هذا في 2008 وهي ما يسمى اليوم بهيئة الضبط)- بدور المراقب لهذه الشبكة والمستثمر لها، لأنه " سيُشرع العمل بمبدأ استفادة الغير من الشبكات، بحيث سيصير بإمكان جميع الفاعلين والزبائن استعمال شبكات النقل والتوزيع مهما كانت السوق التي يعملون فيها أو يتزودون منها، وذلك بعد أداء سعر ثابت محدد بواسطة مرسوم (حقوق النقل وحقوق التوزيع). 
أسواق التوزيع

لدينا الآن سوق للتوزيع يمكن وصفها بأنها سوق مقننة، لكن قطاع التوزيع سينفتح على سوق جديدة يكون التوزيع فيها حرّا، بمعنى أن يختار المستهلك المُزوّد الذي يرغب فيه، إما أن يختار الم. و. ك توزيع ( أو الوكالات المستقلة أو شركات التدبير المفوض) بمعنى يختار السوق المقننة التي تحدد لها الدولة أسعار الكيلووات، والتي تتميز بشكل شبه ثابت للأسعار، وإما يختار شركات خاصة للتوزيع التي يتميز سوقها بالحرية والمنافسة وتعرف أسعارها تقلبات تكون كبيرة ومتمايزة، لكن يجب ملاحظة بعض التطورات المهمة:
1.    تحرير سوق الإنتاج يبدأ بشكل متدرج، بمعنى يفتح على زبائن الجهد المتوسط ثم في مرحلة مقبلة على كل الزبناء؛
2.    ليس في المخطط الإستراتيجي أن تظل السوق المقننة إلى ما لا نهاية، بل هي مرحلة انتقالية قد تطول بعض السنين، لكن مصيرها إلى السوق الحرة.
م و ك التسويق
يتكلف هذا الفرع التابع للمكتب بالتسويق داخل فئة الجهد العالي والمتوسط، بالنسبة للزبائن الذين يختارون المكتب في السوق الحرة.
2.    سيناريو البيع والخوصصة
بالنظر للحالة المالية التي يعيشها المكتب، وبسبب الأزمات المتتالية التي يمر بها القطاع، هناك سيناريو أقرب إلى التحقيق، مع المحافظة على الهيكلة أعلاه، لكن بالنزوع إلى البيع التدريجي للأصول التي يتم إعادة هيكلتها، ما يؤكد هذا الخيار هو نزوع المكتب هذه الأيام (ماي 2008) على بيع نسبة مهمة من رأسماله في شركة تاحضارت، ويُرجع المتخصصون سبب ذلك إلى الأزمة الخانقة التي يمر بها المكتب.
تفويت الأصول المربحة
يأتي السيناريو الثاني على الشكل التالي:
1.    ضمن السوق الحرة للإنتاج، يتم بيع المعامل الحرارية للمكتب وخوصصتها، وهي معامل المحمدية، جرادة، والقنيطرة، والتي تصبح شركات خاصة للإنتاج يدخل بها أصحابها إلى سوق التوريد الحر؛
2.    كذلك يمكن أن تكون الخطة ضمن نظرة استراتيجية أن يقوم المكتب ببيع وكالاته التجارية للخواص، لتصبح شركات خاصة للتوزيع، والوكالات المرشحة لذلك هي كل من أكَادير ووجدة وضواحي البيضاء...؛ (وهذا بالضبط ما ذهب إليه العقد-البرنامج بين الحكومة والمكتب في 2014).
3.    في نفس السياق، قد تقوم وزارة الداخلية بتهيئ شركات التدبير المفوضة إلى التحول نحو الخوصصة الشمولية، والكلام هنا على مدن البيضاء، مراكش، الرباط، والجنوب.
المحصلة
في المحصلة لا شيء يضيع .. كل شيء يتحول في قواعد الكهرباء. فمقومات القوة التي كان يجب أن يملأها المكتب باعتباره مؤسسة عمومية يرثها كل المغاربة سيتم ترحيلها إلى فاعلين كبار يستغلون هذه المقومات (بقوة الثروة والسلطة) لصالح مشاريعهم الخاصة فيكبرون ثم يكبرون في الوقت الذي يضمحل فيه المرفق العمومي ليتحول إلى ذلك الشرطي المقهور الذي ينظم حركة المرور لأمراء الطاقة.
هناك إكراهات عديدة تجعل من عملية التحويل مشروعا محاطا بمخاطر كبيرة، لعل أبرزها الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلاد والواقع المالي والمحاسبي للمرفق العمومي، لكن هذا لا يمنع المقررين في مصير القطاع من ترتيب البيت الطاقي «بالحكمة» اللازمة ليسير التحول بأقل الأضرار الممكنة.
الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون والنقابيون قيل لهم أن التحول هو إرادة ملكية، فصمت أغلبهم. وحتى الذين تنفسوا الصعداء بعد حراك 2011 بسبب إعلان شركات الملك الانسحاب من بعض القطاعات الغذائية، يرون اليوم رجوعا قويا في قطاعات حيوية واستراتيجية ستضع بلا شك المؤسسة الملكية في مواجهة مباشرة مع ملايين المُكهربين بتحولات سوق الطاقة.
الرئيسية | رأي | قطاع الكهرباء.. سيناريوهات ما بعد الضبط

قطاع الكهرباء.. سيناريوهات ما بعد الضبط

آخر تحديث: 25 سبتمبر, 2015 10:45:00
image
رشيد بوصيري باحث وناشط نقابي

اقرأ أيضاً

 

- See more at: http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:A_4OPaX00b8J:lakome2.com/index.php/opinion/5112.html+&cd=1&hl=fr&ct=clnk#sthash.t5ylSChG.dpuf
الرئيسية | رأي | قطاع الكهرباء.. سيناريوهات ما بعد الضبط

قطاع الكهرباء.. سيناريوهات ما بعد الضبط

آخر تحديث: 25 سبتمبر, 2015 10:45:00
image
رشيد بوصيري باحث وناشط نقابي

اقرأ أيضاً

 

- See more at: http://webcache.googleusercontent.com/search?q=cache:A_4OPaX00b8J:lakome2.com/index.php/opinion/5112.html+&cd=1&hl=fr&ct=clnk#sthash.t5ylSChG.dpuf

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟