درس عجيب، لكن خارج ورقة الخطيب

قبيل قليل صلينا الجمعة، وكان موضوعها : “ الرحمة المحمدية ” على صاحبها أزكى الصلاة والسلام. خطيبنا المفوه، اجتهد في عرض النصوص الشرعية والنماذج النبوية في رحمة الحبيب بالمسلمين وغير المسلمين... وفي هذه الأثناء كانت الشمس المشعة تلفح رؤوس نصف المصلين الذين ضاق بهم المسجد فجلسوا في الشارع. ثم يشاء الله فتختفي الشمس بسرعة لتترك المجال لشتاء تشتد تدرجا، فبدأ المصلون يتسابقون إلى الجنبات لتجنب المطر. في هذه الأثناء سيسكت خطيب الجمعة هنيهة، وفهمت أن أحدهم كلمه، ثم قال الخطيب غاضبا فيما معناه : “ اسكت فهذه الصلاة لا يجوز فيه الكلام ”، ثم استمر في عرض النماذج المحمدية في الرحمة... ! في الخطبة الثانية أفهمنا الخطيب أن أحد المصلين قال له : “ أوجز فإن المطر يهطل على المصلين خارج المسجد ”، ثم عبّر مرة أخرى عن انزعاجه وذكّرنا بأن إخواننا في الجنوب حمدوا الله رغم الفيضانات الأخيرة.. !

هل يحتاج الأمر للتوضيح؟ لاشك أن العقلية القانونية ستعجبها صرامة الخطيب، لأن المعروف بداهة أن الكلام لا يجوز أثناء الخطبة، لكن كيف ستتعامل هذه العقلية مع النماذج النبوية التي شنّف بها آذاننا الخطيب المفوّه؟
من قبيل أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل ساجدا طويلا والصحابة مؤتمون به لأن أحد حبيبيه فوق ظهره. ومنها - بأبي هو وأمي - جاءه أعرابي يسأله عن مسألة وهو يخطب، فترك المنبر وجلس مع الأعرابي يعلمه دينه ثم رجع لخطبته..
الملاحظة - تحتاج للتأكيد - أن الكثير من أخبار الرحمة النبوية هي سنة فعلية، أي أفعال رحيمة قام بها صلى الله عليه وسلم في محيطه، وقليل منها أخبار قولية آمرة، وكأن المنهاج النبوي يقول لنا : علموا الناس الرحمة بحالكم وليس بنصوص ترددونها على الأسماع ثم تكذبها الأفعال عندما يغفو الرقيب القانوني.
كيف سيفهم المصلون هذه النماذج الشريفة للرحمة النبوية عندما يرون خطيبهم في أول اختبار سينتفض ضد المصلي ذو النية الحسنة؟ نيته دفع الأذى عن المسلمين.
وللذين يتصلبون على القوانين الفقهية، ولا يهتمون كثيرا بدستور التربية في الرحمة والحكمة، نسألهم : بالله عليكم أي نص شرعي يجيز للخطيب أن يخص رئيس الدولة بالدعاء داخل الخطبة التي هي جزء من صلاة الجمعة؟
المستضعفون أولى بالدعاء والرحمة، هذه قاعدة...