نظرات في القانون الاجتماعي للكهربائيين جزء2

عنصر أساسي من عناصر النظام الأساسي للكهربائيين هي مؤسسة ممثلي الأجراء في نطاق اللجنة العليا للمستخدمين في الكهرباء بالمغرب واللجنة الرئيسية للمستخدمين.
فلا غرو إذن أن تنظم البنود الأولى للنظام الأساسي هذه المؤسسة على اعتبار أن ممثلي الأجراء هم المُحاوِرون الأساسيون للإدارة أو للشركات التي تدور في فلك قطاع الكهرباء بالمغرب.   
أكاد أسمع بعد كتابة هذه السطور لأحد القراء وهو يقول: أي مؤسسة لممثلي العمال تقصد؟ وهل يشكلون حقا مؤسسة بما تحمله الكلمة من معنى؟ أم هم في الواقع تجمع لمصالح شخصية ومطالب ذاتية تؤطرها المحسوبية و شراء للذمم أو قمع للهمم؟
وحتى لا "أُتهم" بالطوباوية أقول إنني لمّا أتكلم عن مؤسسة ممثلي العمال فإنني أتصورها فيما انطوت عليه نِيّة واضع النظام الأساسي وهو المشرع الفرنسي، وكذلك أتصورها في ممارسة الممثلين والأجراء الفرنسيين، ولا أقصد ما آلت إليه أوضاع العمال وممثليهم في أيامنا البئيسة ووطننا المكلوم.
وإزاء هذا الوضع سأحاول تشخيص الواقع الاجتماعي للكهربائيين بمنهجية قصد تحديد مقدار الفجوة بين القانون والممارسة، من أجل اكتشاف المخاطر التي تهدد الأجراء بالهشاشة والتهميش إن لم يتحملوا مسؤولياتهم الآنية ليضمنوا مكتسباتهم ومطالبهم المهددة في المستقبل القريب.
في البداية أتساءل معكم عن ماهية المهام والتخصصات التي تحددها مقتضيات النظام الأساسي لمؤسسة ممثلي الأجراء في اللجنة العليا للمستخدمين في الكهرباء بالمغرب ؟
قد يقول قائل: وماذا يعنيني هذا السؤال إن كنت أتقاضى أجري في نهاية كل شهر؟ نعم لا يعنيك كثيرا والحالة كما ذكرتَ، لكن سيؤرقك السؤال غدا إذا تغير الحال، أو ضاق عليك حبل الظلم، أو هُدّدتَ في رزقك كما يهدد في رزقهم اليوم عشرات الآلاف من عمال النسيج.
أرجع بعد هذا الاستطراد الضروري لأكتشف معكم عناصر الجواب، وهو ما نجده في البند الثالث من النظام الأساسي للكهربائيين، وهو بالمناسبة ليس بندا عاديا، إنما هو بمثابة قسم متكامل يحتوي على أكثر من 2300 كلمة تنظم مؤسسة ممثلي الأجراء في كلا اللجنتين.
اللجنة العليا للمستخدمين في الكهرباء بالمغرب يعطيها النظام الأساسي بُعدا قطاعيا ووطنيا بحيث لا تقتصر على تدبير مصالح الكهربائيين بالمكتب الوطني للكهرباء، بل يتعدى مجال تخصصها إلى كل المؤسسات العمومية والشركات الخاصة التي يسري على مستخدميها  النظام الأساسي للكهرباء، لذلك فهي تتألف من 18 عضوا نصفهم يمثلون المشغلين والنصف الثاني يمثل المستخدمين، بخصوص حصة المكتب الوطني للكهرباء هي 10 أعضاء مناصفة بين الإدارة وممثلي المستخدمين، إذن فالأعضاء 8 المتبقون بداهة هم من خارج المكتب.
الملاحظة الأولى من حيث الشكل، اللجنة العليا الوطنية غير متكافئة من حيث العدد، فحصة المؤسسات الأخرى (ليديك، ريضال، أمانديس، الوكالات المستقلة، جليك) غير منطقية مع ما تشكلها هذه الأخيرة من قوة في البنية الاجتماعية والاقتصادية داخل القطاع.
يخول النظام الأساسي لهذه اللجنة اختصاصين أساسيين هما:
-         ملائمة وتوحيد أنماط شروط العمل للمستخدمين في كل المؤسسات؛
-         تدارس أشكال تطبيق النظام الأساسي.
ويدخل ضمن آليات اشتغالها الوسائل التالية:
-         متابعة أشغال اللجان الرئيسية للمستخدمين؛
-         الدراسة والتدقيق في آليات تطبيق مقتضيات النظام الأساسي بخصوص التوظيف والترقية والتأديب؛
-         دراسة المشاكل التي تهم جميع المستخدمين؛
-         وضع التوجيهات العامة بخصوص التكوين واستكمال الخبرة المهنية؛
-         مراقبة تطبيق مقتضيات النظام الأساسي في مجال السلامة والضمان الاجتماعي؛
-         التحكيم في حالة خلاف بين الإدارات واللجان الرئيسية للمستخدمين.
من خلال اختصاصاتها وآليات اشتغالها، يتبين أن اللجنة العليا لا تقوم بالتدبير اليومي لحقوق وواجبات ومشاكل المستخدمين، بل تقوم بدور المقنن والمنظم والمراقب لتطبيق مقتضيات النظام الأساسي في كل المؤسسات المشمولة بهذا النظام.
من خلال ما سبق يتأكد أن المشرع الفرنسي أراد لهذه المؤسسة أن تكون بمثابة برلمان مصغر لقطاع الكهرباء، أما المغربي فإنه جمدها وارتاح وهو بذلك يكرس شعار "كم من حاجة قضيناها بتركها".
فعلى حسب علمي لم تجتمع اللجنة العليا الوطنية قط منذ الاستقلال بالشكل الذي حدده القانون الأساسي لها، وحتى عندما بدأت تُقسم تركة الراحل عبد الرزاق الاجتماعية بين المكتب الوطني للكهرباء ووكالات التوزيع في سنة 2004 لم نسمع لهذه اللجنة ركزا. هذا في عموم مؤسسات الكهرباء بالمغرب، أما اللجنة الثانوية للمكتب الوطني للكهرباء فلم تجتمع ولا مرة واحد منذ آخر انتخابها في 2003 إلى اليوم.
وهنا يطرح العمال والأطر أسئلة مشروعة:                                            
-         لماذا تجمد الإدارة هذه المؤسسة المهمة رغم أن المدير هو من يمتلك القرار الحاسم فيها؟
-         لماذا تسكت النقابة عن هذا الفعل وهي التي تعبئ الشغيلة للتصويت على لائحتها؟
-         لماذا ينتخب المستخدمون لجنة تموت في نفس اللحظة التي تولد فيها؟
وأظن الجواب لن يكون سوى أحد التعليلات التالية أو كلها مجتمعة:
-         الأمر متعلق بالعقلية المغربية الفريدة، التي تتقاتل على المناصب وعلى ضمان مقعد في مؤسسات ذات سلطة ولو كانت فارغة، لترضي غرورها أو تحمي مصالحها الذاتية ولو كان ذلك بتجميد المصالح العامة أو بسد الباب أمام الكفاءات الوطنية.
-         ذات العقلية المغربية تجعل صاحبها لا يرتاح في عمل الفريق أو المؤسسة، بل يجنح للفردانية التي هي باب واسع نحو الاستبداد.
-         أما النقابة فلا تصيح ومصالحها مقضية، ولا تستنكر على تجميد اللجنة العليا لأن كل هياكلها هي في القطب الشمالي، منذ 2005 لم يجتمع مجلسها الوطني ولا لجنتها الإدارية ولا شبيبتها العاملة ولا لجنة المرأة العاملة ولا المؤتمر الوطني... وحتى آخر قلعة للنقابة (المكتب الجامعي) هي مهدد بعد استحقاقات 2009.
-         أما العمال والأطر فكثير منهم تحرر من الخوف الوهمي الذي دام نصف قرن، لكن بفعل الإحباطات المتكررة من كل تغيير فضلوا اللامبالاة إلى إشعار آخر.       
مع كل هذه القتامة فإنني من باب الأمانة العلمية أقترح من أجل النهوض بمؤسسة اللجنة العليا للمستخدمين التعديلات والإضافات التالية:
-         فك ارتباط اللجنة العليا للمستخدمين بانتخابات ممثلي الأجراء، وجعل هذه الأخيرة مقتصرة على اللجنة الرئيسية، ومعيارا لتحديد النسبة التي تحوز نقابة ما على عدد الأعضاء الذين يمثلونها في اللجنة العليا؛
-         تعديل مدة انتداب أعضاء اللجنة العليا سواء منهم الذين يمثلون المشغلين أو المستخدمين، بحيث لا تتجاوز ولايتهم ثلاث سنوات، غير قابلة للتجديد إلا مرتان؛
-         وضع شروط الحد الأدنى لتحل المسؤولية في هذه اللجنة، من قبيل الكفاءة العلمية، والالتزام الأخلاقي.
-         ملائمة اختصاصات اللجان الثانوية الخاصة بكل مؤسسة لتلك التي تحددها مدونة الشغل للجنة المقاولة في المادة 466؛
-         إعادة النظر في عدد أعضاء اللجنة بما يتناسب مع إمكانيات الفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين في المؤسسات التي يسري على مستخدميها النظام الأساسي للكهربائيين بالمغرب.
-         احترام الدورية التي يحددها النظام الأساسي لانعقاد اللجنة العليا، وهي مرة كل ثلاث أشهر كحد أدنى، مع نشر خلاصات تقاريرها على المستخدمين.
-         فتح نافذة للجنة العليا للمستخدمين على الشبكة العالمية قصد التواصل بين أعضائها وعموم الكهربائيين بالمغرب.   

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟