نظرات في القانون الاجتماعي للكهربائيين جزء1

في مثل هذا اليوم وقبل 61 عاما (8 أبريل 1948) تمت المصادقة على النظام الأساسي للعاملين في شركات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء بالمغرب.
القانون المذكور صُنع في فرنسا، وأوتي به لتصادق عليه سلطات الاحتلال الفرنسية، ليأطر اجتماعيا شركات الكهرباء بالمغرب التي كان يديرها ويشتغل فيها خصيصا الفرنسيون عمالا وأطرا.
توجهت نية المشرع الفرنسي مبكرا (منذ 1917) إلى تمكين مستخدمي الصناعات الكهربائية بنظام خاص ومُكيف مع المهام المناطة بهم، وتُوج هذا المطلب بالمصادقة على قانون تأميم صناعة الكهرباء والغاز بفرنسا في 8 أبريل 1946 ثم بمرسوم 22 يونيو 1946 المصادِق على النظام الأساسي الوطني لعمال الصناعات الكهربائية والغازية.
بعد الاستقلال سيؤمم المغرب بدوره شركات الكهرباء التي تركها الاستعمار الفرنسي والإسباني، وذلك بتغيير إطارها القانوني إلى مؤسسات عمومية تابعة لوصاية وزارة الأشغال العمومية.
أما القانون الاجتماعي للكهربائيين فسيتم الحفاظ عليه وتأكيد مقتضياته، ليس لأن النقابة المغربية ناضلت من أجل ذلك (فعمرها لم يتجاوز أنداك ستة سنوات)، بل لأن كل المستخدمين والأطر أمسوا فرنسيين، باستثناء السيد أحمد التازي الذي كان أول إطار مغربي في المكتب الوطني للكهرباء.
بالموازاة مع توطين الخبرة الكهربائية ومغربة القطاع، كان يتم بتدرج كبير تغيير البنية الاجتماعية للمكتب دون المساس بِلُب قانون الشغل رغم بعض التعديلات غير الجوهرية، من قبيل تعديلات 1957 و1960 و1975...
عدم المساس بجوهر النظام الأساسي للكهربائيين في تلك المرحلة يمكن تعليله بثلاث أسباب:
1.    لأن العمال والأطر الفرنسيون ظلوا يشكلون نسبة مهمة من البنية الاجتماعية للمكتب؛
2.    لأن الآلة التشريعية المغربية لم تتطور بعد لتصل إلى تقننين قطاع جديد كالكهرباء؛
3.    لأن الطبقة العاملة الكهربائية استفادت من العصر الذهبي للاتحاد المغربي للشغل.
نعم، لقد لعبت الجامعة الوطنية لعمال الطاقة بقيادة الرجل الثاني في الإتحاد المغربي للشغل دورا طليعيا في تلك السنوات من تاريخ الحركة النقابية المغربية، الشيء الذي جعل الكهربائيين يتميزون عن الشغيلة المغربية بمؤسساتهم الاجتماعية والتعاضدية التي أطرها نظامهم الأساسي ذو الأصول الفرنسية والحماية المغربية، لأن الجامعة رغم قوتها لم تلعب سوى دور الحامي والحارس لمقتضيات النظام الأساسي سالف الذكر.
دَورٌ مُهم قامت به الجامعة الوطنية لعمال الطاقة بدون شك، لكن المقابل الذي أخذته هذه الأخيرة كان كذلك مُهمًا، لا أتكلم عن المقابل المادي رغم فداحته، بل سأقف على مقابل آخر وهو تمثيل الكهربائيين الذي ظلت الجامعة تنفرد به مدة نصف قرن من الزمان.
في هذا السياق سيخضع قانون الشغل الكهربائي للمغربة بإحداث نمط عجيب لانتخاب ممثلي المأجورين عنوانه " الاقتراع السري " أما شكله ولُبه فهو التصويت العلني الإكراهي على لائحة وحيدة فريدة، وبهذا الشكل المُتَواطئِ عليه أفرغت العملية الانتخابية من محتواها وأضحت مهرجانا فلكلوريا لتقديم الولاء وإشباع الأطماع.
كيف نُأوِلُ مقتضيات قانون الشغل الذي يؤكد على مبدأ سرية الاقتراع عند انتخاب ممثلي الأجراء في ظل مذكرات إدارية تفرض وضع اسم وتوقيع الناخب على ظرف مُعد مسبقا، ألا يعد هذا تناقضا صارخا؟
وكيف نُطَمْئن العامل المسكين أنه لن يعاقب إن لم يصوت على اللائحة الوحيدة الفريدة وهو قد وَقعَ أو بَصَمَ على اختياره؟ 
بل كيف نحكم على الانتخابات برُمتها بالنزاهة وعملية الفرز تأخذ أيامًا لإعلان النتيجة المعروفة مُسبقًا لأن المنافسة منعدمة أصلا.
يجب التأكيد أن نمط الاقتراع "بالظرف الموقع عليه" ليس موجودا في النظام الأساسي للكهربائيين، بل مرجعيته في مذكرات إدارية قديمة، ومع ذلك ينبغي التنبيه إلى أن مثل هذه المذكرات التنظيمية اعتبرت في الماضي بقوة الواقع قانونا تنظيميا مكملا للنظام الأساسي.
قبل 11 سبتمبر 2003 وفي غياب قانون مؤطر كانت تنفذ مثل هذه المذكرات التنظيمية، لكن بإصدار مدونة الشغل ينبغي أن تلغى هذه المذكرات بناءا على مبدأ تراتبية القوانين الذي يقضي أن تحترم القاعدة الأدنى القواعد التي هي أعلى منها. فسمو القانون هو المعيار الأول للحكامة الجيدة لأنه بدون سيادة للقانون لا يمكن أن نتحدث عن الحكامة بلها أن نصفها بالجيدة.
هناك مصادر لقانون الشغل تعتبر أعلى من الأنظمة الخاصة ومن المذكرات التنظيمية بالمكتب، المصدر الأول هو مدونة الشغل التي تعلو على النظام الأساسي إن اختلفت مقتضياتهما بناءا على مبدأ التراتبية وعلى المادة 3 من المدونة التي تقرر أن "تظل فئات الأجراء الآتي ذكرها (أجراء المقاولات والمؤسسات العمومية التابعة للدولة والجماعات المحلية...)، خاضعة لأحكام الأنظمة الأساسية المطبقة عليها، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تقل عما تنص عليه مدونة الشغل من ضمانات؛" كلمة ضمانات جاءت نكرة فهي تعني والحال هاته الضمانات المادية والمهنية والديمقراطية وكل الضمانات التي هي في صالح فئة الأجراء.
كما تقرر المادة 3 أن "تخضع الفئات المذكورة أعلاه، لأحكام هذا القانون، في كل ما لم يرد النص عليه في الأنظمة الأساسية المطبقة عليها". سبقت الإشارة إلى أن نمط "الاقتراع بالظرف الموقع" غير موجود بالنظام الأساسي للكهربائيين إذن فالرجوع لمنط الاقتراع الذي تقرره مدونة الشغل يحسم الأمر.  
المصدر الثاني الذي يعلو على القوانين التنظيمية في المكتب هي أيضا القوانين التنظيمية التي تصدُر عن الوزارة الوصية إما على الطاقة أو الوصية على عملية انتخاب ممثلي الأجراء وهي وزارة التشغيل.
بالنسبة للمصدر الأول وهو القانون رقم 99-65 المتعلق بمدونة الشغل فالمادة 448 تقرر أنه "يجب إجراء انتخاب مندوبي الأجراء، طبقا لطريقة التمثيل النسبي، وبناء على قاعدة المعدل الأعلى، وأخذا بالاقتراع السري".
ما هو الاقتراع السري؟ لا يختلف فقهاء القانون في تعريف الاقتراع السري فهو "أن يقوم الناخب بالإدلاء بصوته بشكل خفي وبدون أن يشعر به احد بالموقف الذي اتخذه في التصويت لا تسمح للآخرين بمعرفة اتجاهه في التصويت أو الموقف الذي اتخذه فيه وذلك حرصا على حريته ولعدم التأثير عليه بترهيب أو ترغيب".
وبالنسبة للمصدر الثاني فهو قرار وزير التشغيل والتكوين المهني رقم 2288.08 الصادر في ديسمبر 2008 المتعلق بانتخاب مندوبي الأجراء خاصة المادة 20 منه التي تقول بالحرف " يكون الاقتراع سريا باستعمال أظرفة غير شفافة من نموذج موحد لا تحمل أية علامة تساعد على التعرف على أصحابها، وإلا اعتبرت بطاقة التصويت ملغاة...." إذن فمن مقتضيات السرية في التصويت أن تضم العملية ثلاث عناصر: (1)أظرفة غير شفافة، (2)أظرفية من نموذج واحد، (3)أظرفة لا تحمل أية علامة تساعد على التعرف على أصحابها؛ هذه العناصر الثلاث منتفية في طريقة انتخاب ممثلي أجراء المكتب الوطني للكهرباء، فالظرف الثاني شفاف بالضمن، وهناك أظرفة من نموذجين اثنين، والظرف الثاني يحمل كل العلامات التي تفضي إلى الناخب.
النتيجة أن الإدارة ستحكم على العملية برمتها بالإلغاء إن تمسكت بهذا الشكل العجيب ضدا على مدونة الشغل وعلى قرار وزير التشغيل لأن القانون يعطي للمتضرر حق الطعن في نتيجة التصويت إن شابها خرق واحد، فما بالك ب 9000 خرق؟ وهي الهيئة الناخبة في   المكتب.  
وأي خرق أكبر من مخالفة حق السرية في الانتخاب. هذا الحق المتعارف عليه بداهة في كل ديمقراطيات الدنيا وأكدته قوانيننا، ومن هذا المنطلق ودفعا لكل التباس أو تقنين زائد عن الحاجة فإن الفقرة الرابعة من المادة 20 من القرار المذكور تستعرض الطريقة الانتخابية بتفصيل كبير، " يقدم الناخب عند دخوله قاعة التصويت إلى كاتب مكتب التصويت بطاقته المهنية أو أية وثيقة أخرى تقوم مقامها (...)، وبعد ذلك يأخذ أوراق التصويت والظرف من فوق طاولة معدة لهذا الغرض ويتوجه إلى معزل التصويت ويضع ورقة التصويت في الظرف، ثم يضع هذا الأخير في صندوق الاقتراع."
هل مازال الأمر يتطلب جدالا للاقتناع بأن هذا الإجراء المُبتَدع يعتبر تحريفا ووسيلة غير مرتكزة على أساس وبأن الظرف الثاني غير شرعي؟ إذا كان للقانون من معنًا فهذا يكفي للقطع مع الأشكال العتيقة غير الديمقراطية في التصويت والانتخاب.
وإذا تقرر ذلك سنؤسس لتنافس شريف، يحترم ذكاء العامل والإطار ويدفع النقابات لترشيح ذوي الأهلية النضالية والتكوين القانوني والامتداد العمالي لتفوز لائحتها بنسبة لا تقل عن 35% من مندوبي الأجراء لكي تحوز صفة النقابة الأكثر تمثيلا بناءا على المادة 425 من مدونة الشغل.
ما هي مهام ممثلي الأجراء؟                   
وماذا يفيد النقابة أن تكون أكثر تمثيلا؟
وهل ستظل خريطة مندوبي الأجراء على حالها؟
كل هذه التساؤلات سأحاول الإجابة عنها بشيء من التفصيل في الأجزاء المقبلة إن شاء الله.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟