دسترة التشهير بالفضائح


في تصريح لراديو أطلنتيك، أذيع يوم 15 يناير 2015، أقرّ وزير الصحة أن الصور المنشورة في صفحة « فضائح قطاع الصحة » أغلبها حقيقية، وأنه أرسل مفتشين للمواقع التي ظهرت على الصور للتثبت، ولإعداد تقارير، ثم لإصلاح الاختلالات...
عندما يقرأ المواطن « العادي » هذا التصريح لا يملك إلا أن يصفق لهذا التفاعل الإيجابي من طرف المسؤولين على صحته، وعلى ثلث مقومات آدميته التي حددها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في ثلاث أساسات فقال : (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) رواه البخاري.
الأمن، الصحة، الغذاء : هي الحدود الدنيا للعدل الاجتماعي، وهي الثلاثي المرتبط بعضه ببعض، والذي لا ينفع معه الترقيع لأن الارتدادات تظهر مباشرة بعد النقص أو الخصاص. وقد علّمنا درس التاريخ أن الأمم تتمرد عندما تهدد في أمنها، أو في صحتها، أو في قوت يومها، لكنها تثور على النظام عندما تُحرم الثلاثة مجتمعة.
نعود إلى تصريح السيد الحسين الوردي، ونقرأه بقراءة نقدية أي غير « عادية »، ونتسائل : ماذا يعني للوزير مئات من الصور، وهي مرشحة لتصل للآلاف، من فضائح تدبيره لوزارة الصحة؟ نساء يلدن على أبواب المستشفيات العمومية، مرافق لا تتوفر فيها معايير السجون بله المستشفيات، نقص حاد في الأطر الصحية...
سيقول قائل هذه تركة ثقيلة نعم، لكن لا تتحملها الحكومة الحالية. نُسلّم بهذا القول، رغم أن أجهزة الدولة لا تتغير عندما تتغير الحكومات، واسألوا إن شئتم عن العُلب السوداء الحقيقيون، الكتاب العامون للوزارات.
نسلم بهذا القول، رغم أن ثلاث أحزاب مشكلة للحكومة الحالية، ومنها حزب وزير الصحة، هي من الأحزاب المعمرة في الحكومات السابقة. هل يجب أن نُبيض رصيدها لأن العدالة والتنمية جديد على مربع الحكم؟ بهذا المنطق سيكون بنكيران ليس فقط مسؤولا سياسيا عن القرارات التي يتخذها هو ووزراءه، ولكن أيضا يلعب دور رجل الدين الذي يتلقى اعترافات المذنبين وراء مخدع الكنيسة... ثم يباركهم.

بعيدا عن المسؤولية السياسية، بمنظار علم الإدارة تأشر اعترافات السيد الوردي لشيء واحد، خطير للغاية، وهو غياب « المراقبة الداخلية » التي بسببها يستقيل المسؤولون في الدول الديمقراطية عند أول فضيحة، أما عندنا فإن الحكم لا يعزل خدامه الأوفياء حتى تنقل فضائحهم على مئات القنوات في العالم المتمدن.
الحكم تحرك – أخيرا - ليس بسبب فضائح السياسة الرياضية، ولكن لأنه أصيب في هيبته وفي مصداقيته أمام الرأي العام الخارجي. أما الرأي العام الداخلي، بمجتمعه المدني وبجمعيات أنصار الفرق الرياضية ورواد الملاعب وبجمهوره العريض، فلا يعبأ به حكامه إذا تعايش الشعب مع الفضائح دون خروجها وراء الحدود التقليدية.

الآن سيُدفع المواطن، المحب لتغيير وطنه نحو الأفضل، إلى سلاح جديد وناجع لمعالجة فضائح قطاعاته الصحية والتعليمية والعدلية... وهو : وضع اليد على الموضع الذي يوجع الفساد والاستبداد : «الرأي العام الخارجي»، وحينها سيكون الحكم أما خيارين : إما يُفعّل أجهزة الحكامة التي خصّصّ لها 18 فصلا في دستوره ما بين مبدأ ومقتضى، تفعيلا يرى من خلاله المواطنون المسؤول الفاسد يُحاسب ويُعاقب ويُغيّر، أو ستجد من سيطالب الحكم «بدسترة التشهير بالفضائح» لأنها أشد فعالية من أجهزة دستور الاستثناء المغربي.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟