مصفاة سامير .. التصفية والتكسير

لم ينل أي ملف اقتصادي "شرف" المتابعة اليومية من طرف الصحافة المغربية (رقمية أو ورقية) ما يناله ملف الصعوبات المالية لشركة سامير. يقولون، لأن نشاطها حيوي ويهدد الأمن الطاقي للبلاد. ممكن هذا التعليل، لكن الفاعلين في القطاع أكدوا للحكومة أنهم يضمنون استمرار تدفق المحروقات باستمرار ولن يتأثروا بصعوبات شركة التكرير، بل منهم من يتمنى أن تستمر الوضعية أطول مدة لأن هامش الربح سيكون استثنائيا في الوقت الذي هبطت فيها أسعار البترول.

أصل الحكاية
بدأت الحكاية لمّا أصدرت شركة سامير بلاغا بتاريخ 5 غشت الجاري تخبر المتعاملين معها بتأخر التزيد في بعض الوحدات بسبب صعوباتها المالية وصعوبات السوق العالمية. الحكومة ووزارة طاقتها تفاعلت ببطء في الأيام الأولى لأن التعليمات تأخرت عنهم من طرف أصحاب القرار. مباشرة بعد ذلك بدأت الحكومة تهدد الشركة، على غير عادتها، وبدأت حملة إعلامية مُهندسة بشكل احترافي، مما عجل بالإدارة العامة للشركة بتكذيب أخبار توقيف الانتاج ببلاغ يحمل تاريخ 10 غشت 2015.
لم يشفع للشركة تكذيبها للخبر، بل تصاعدت الزوبعة الإعلامية في فنجان لاسامير، والحجة التي لعب عليها خصوم الشركة هي المتأخرات الضريبية على الشركة ثم محاولتها ابتزاز الدولة وسوء التدبير، وهي كلها حجج لا تستقيم بالنسبة للذين ينفذون إلى عمق المخطط المرسوم والذي يتنزل في هذا الوقت الذي ينشغل فيه الرأي العام بالسوق الانتخابية.
بعض المعلومات التي تُروَّج ضد الشركة في الصحافة المغربية لا يمكن أن تكون في متناول أكبر المنابر الإعلامية إلا إذا زودتها وكالات المخابرات بله أن تتوفر لصحافيين شباب على الفضاء الافتراضي. وداخل التعليقات التي يتركها المدونون على الأخبار المتعلق بالشركة يمكن بسهولة كبيرة اكتشاف عملية مدروسة لتوجيه الرأي العام إلى المخطط النهائي.
نعم ارتكبت إدارة سامير أخطاء تدبيرية لكن ليس للمتابع أن يحكم عليها إلا بإزاء المرجعيات المعتمدة في القوانين والأنظمة المتعلقة بالشركات وأنظمة حكامتها، أما مستحقات إدارة الضرائب فطريقة إخراجها المسرحي تبعث على السخرية، كيف يعقل أن تسكت الحكومة عن المستحقات الضريبية لسنوات طويلة مضت دون أن تقرر استرداد حقوق الدولة، وعندما يُتهم مدير الشركة "بالابتزاز" تتدخل أجهزة الدولة لمطالبته الفورية بالضرائب والمستحقات وحقوق العمال... !

المخزنة ليست تأميما
مشكل شركة التكرير بالمغرب قديم قِدم الصفقة المُختلة، حيث تخلت الدولة المغربية بإرادتها المستقلة عن حصتها (60.94%) من الشركة  في أواخر التسعينات (يوم 20 يونيو 1997) مقابل 3.157 مليار درهم وبالتالي سلمت قطاعها الحيوي إلى الخواص، وبعدها بقليل عضّ الفاعلون في المجال على أيديهم ندما على ضياع جوهرة إلى غير خزائنهم، وبدأ التفكير في استعادة المبادرة من خلال بناء محطة ثانية للتكرير في الجرف الأصفر من خلال شراكة بين مجموعة أكوا الممتلكة لعزيز أخنوش وبعض المقربين من صنع القرار في إمارة أبو ظبي، وبهذه الخطة ستكمل عائلة أخنوش دورة الصناعة البترولية من نشاط التكرير إلى التوزيع.
وإذا تم ذلك ستُحكِم المجموعة الملكية قبضتها على قطاع الطاقة بكل أنواعها، الطاقة الكهربائية من خلال التقنية الشمسية مع الباكوري، والحرارية والريحية مع ناقوش، ثم توزيع الماء والكهرباء مع مخطط الإدماج بين المكتبين المصادق عليه في 2009 الذي يفتح المجال أمام الشركات الجهوية للتوزيع.
مشروع المحطة الثانية لتكرير النفط كان مقررا انطلاقه في سنة 2011، ولأسباب جيوسياسية وُضع التنفيذ في حالة الكُمون حتى تضع الحراكات العربية أوزارها وتتوضح مآلاتها خاصة أن الملك كان محتاجا إلى الدعم المالي من مملكات النفط. متغيرات عديدة تسارعت بعد سكون العاصفة، وتغيرت المعطيات على الأرض فبدأ المخزن يبحث عن الفرصة لكي يعيد تشغيل المخطط ويعوض خسائره بسبب انسحابه من بعض القطاعات تحت ضغط الشارع.
خطأُ العمودي، صاحب الشركة، هو أنه عجّل بتسليم القشة التي ستقصم ظهر سامير، ولم يفوت المخزن الفرصة لأنها فوق كل أحلامه. كان يُعد العدّة ليدخل منافسا للشركة الوحيدة للتكرير، والآن فرصته لكي يضعف أو يقضي على نشاط المنافس فيخلو له المجال لاحتكار جديد لكن هذه المرة بمحفزات سلطوية لها فعالية في إسكات الباطرونة والإعلام والرأي العام... وليذهب لوسيور إلى الجحيم.

والعمال...
هم الآن ورقة من أوراق الضغط وإن صحت هذه الرواية سيكونون أمام خيارات صعبة؛ تتوازى مع ما يخطِّط له الناشط الجديد، إما يقبل بوضعية الشريك داخل مؤسسة تم إضعافها لكي تُعاد هيكلتها المالية والاجتماعية... أو ينزع نحو احتكار نشاط المؤسسة، لأن تشييد محطة جديدة يحتاج لأكثر من خمس سنوات، وقد يحتاج لبعض المهرة لكنه لن يتحمل كل أعباء غريمه الاجتماعية.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟