الملِك يَملِك أو يُمتلَك؟

أعترف أنني عاجز عن فهم عقلية النخبة السياسية في المغرب، عاجز عن تفسير سبب تعايش الشيء ونقيضه في نفس المفهوم والمطلوب والمكتوب.
في إحدى تصريحات الاستقلالي عبد الحق التازي، الذي يدرك جيدا خدعة الإصلاح المخزني كما يعلم خطورة التغيير الثوري، لم يجد هذا المهندس بُدّا من اختراع هذه الوصفة فقال: «20 فبراير لم تجد من يأخذ بيدها لإيصال حراكها الثوري الإصلاحي» . !
كُتب كثيرا عن تناقض الإصلاح والثورة وحاول بعضهم اختراع مفاهيم تُصالح بين النقيضين، فقالوا "إصلاح جذري" وقالوا "ثورة هادئة"... لكن أن يجتمع المفهومان في نفس المطلب فهذا إشكال عميق في المنطق السليم.
صرح قيادي في حزب الاستقلال بهذه الجملة : "الملك مِلك لكل المغاربة" وزادها القيادي في العدالة والتنمية، توفيق بوعشرين، تأكيدا لاهوتيا فقال : " الملك مِلْك مشاع لكل المغاربة"... ونفس الجملة نطق بها قياديون في الحزب الجرار وحزب الوردة... على الأقل يشترك الإخوة الأعداء في نفس التناقض ! الذي يُعتبر استثناءٌ مغربيا من جميع الملكيات العربية الأشد "رجعية".

ما هو الإمتلاك؟ يقول أهل التدقيق: الإمتلاك هو اتصال بين انسان وبين شيء يكون مطلقا لتصرفه فيه، وحاجزا عن تصرف غيره فيه. إذن الذي يملِك شيئا له حق التصرف فيه !  الآن، من يتصرف في الآخر : الملك في الشعب أم الشعب في الملك؟
طبيعة النظام الملكي هو أن الملك يحكم الناس باستناد إلى قوة (الوراثة) يملكها هو ولا يملكها غيره. الملكية عندنا تعمل على امتلاك الجميع وتسميهم رعايا، وعندما يستعصي عليها إمتلاكهم تسميهم الملكية "أوباشا" أو "مساخيط الماليك".
قد يكون التناقض مخففا إذا كنا أمام ملكية لا تحكم، ملكية رمزية ينتمي إليها الشعب طواعية ويعتبرونها رمزا أو تذكارا لتاريخ مضى يكرهون أن يعود، ملكية لا تكلف خزينة الدولة إلا القليل من ضرورات القائمة المدنية، ملكية إذا ضُبط أحد أمراءها مخالفا للقانون ينزع عنه الترميز ويُخضع لنفس العقاب الذي يَخضع له من قبلوا برمزيتها...
أما أن تكون الملكية حاكمة في الصغيرة والكبيرة، مستثمرة إلى حدّ الاحتكار في ما تحت الأرض من مناجم، وما فوقها من فلاحة وصيد بحري وما يتجدد من طاقاتها الريحية والشمسية وووو... ملكية لا تحاسَب ولا يحاسَب أحد من أفراد عائلتها الصغيرة والكبيرة، فإنها بالقطع حُكما مطلقا وسلطانا يدعي الانتساب اللاهوتي الذي يَعتبر الناس عبيدا مملوكين وليسوا مالكين.
هذا رأينا وعلى الذين لا يرون في تلك الجملة البوعشرينية تناقضا أن يُفهمونا ذلك بقليل من المنطق فإن حويصلتنا لا تتسع لذلك.

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟