حوار مع موقع الجماعة.نت




المحور الأول: الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب
 

سؤال الموقع: تذكر العديد من الإحصاءات بأن: 34% من سكان المغرب محسوبون على الطبقة الفقيرة. ثلثي العاملين في القطاع العام والخاص لا يتجاوز دخلهم 3000 درهم. الفوارق في الأجور تفوق أحيانا 100 مرة. ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال سنة 2009 إلى أكثر من 30%. المغرب يتراجع في مجال التنمية البشرية إلى المرتبة 130، من أصل 181 دولة، متراجعا بـ4 نقاط عن سنة 2008. تتزامن هذه التراجعات، وغيرها، في وقت دشن فيه نظام الحكم "ورشا كبيرا" هو مبادرة التنمية البشرية. أين الخلل؟

ر.بوصيري: بالنسبة لإشكالية الوضع الاجتماعي بالمغرب هي بالأساس إشكالية التنمية البشرية والتنمية المستدامة، هذه العناوين العريضة التي نستوردها من منظومة أنبتت في بيئة ديمقراطية وحقوقية، ونحاول نحن أن ننبتها في أرض الاستبداد ومحاربة الكفاءات الوطنية، هذه الإشكالية - التنمية البشرية- يمكن أن نتحدث عنها من خلال عنوان كبير وهو أن طريقنا إلى التنمية طريق مسدود على اعتبار 3 عوائق كبرى:
العائق الأول هو المستوى المتخلف للحقوق السياسية والمدنية التي نحرم الشعب من ممارستها. إننا نقف في المستوى الذيلي للممارسة الديمقراطية سواء على المستوى المحلي أو الوطني، على مستوى المؤسسات التمثيلية (برلمان) أو على مستوى مؤسسات تدبير الشأن المحلي (الجماعات المحلية).
العائق الثاني هو التنمية المتخلفة رغم المشاريع الاجتماعية المكلفة لكنها تظل وهمية في الواقع الاجتماعي. أشرتَ إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي دخلت عامها الخامس، والتي يمكن الحديث عنها من خلال ثلاثة عناوين كبرى: أولا أنها مشروع يروم أن يكون مشروعا مجتمعيا لكنه للأسف جاء من جهة واحدة، لم تشرك في إعداده و تنزيله لا فعاليات المجتمع المدني ولا الأحزاب، فقط يُؤتى بها لكي تصفق وتبارك ما يقوم به الاستبداد.
العنوان الثاني وهي أنها مشروع مستعجل لأنه جاء في سياق تقرير الألفية للتنمية البشرية الذي وضع المغرب في مراتب متدنية. ثم العنوان الثالث وهو أن المبادرة جاءت في سياق ما سمي بالعهد الجديد بحيث كان النظام ولا يزال في حاجة ماسة إلى تسويق الوهم والوعود لضمان استمرار الاستبداد.
فهي إذا تنمية متخلفة رغم المشاريع الوهمية، وسنؤكد ذلك لاحقا من خلال مجموعة من المؤشرات الرقمية.
العائق الثالث وهو أن اقتصادنا المغربي اقتصاد ريعي، يعتمد على مجموعة من القطاعات الإستراتيجية كالفوسفاط مثلا الذي شكل رافعة اقتصادية خلال 2008 والتي تضاعف فيها ثمنه ثلاث مرات في الأسواق الدولية، لذلك يمكننا أن نقول بأنه ليست لدينا آليات عميقة لاقتصاد قوي يشكل بنية متماسكة. فالاقتصاد الحقيقي يقف على مجموعة من الأركان هي الفلاحة والصناعة... هناك فقط اقتصاد ريعي مرهون بمراكز القرار المالي الدولي ومثخن بالديون السلبية (مديونية متصاعدة مقابل استثمار غير بنيوي).
وأذكر هنا بعض المؤشرات التي تؤكد أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في المغرب أفقها مسدود:
المؤشر الأول: صدر تقرير التنمية البشرية لسنة 2009 بمؤشرات تزيد الطين بلة وتؤكد تخلف التنمية البشرية حيث جعل المغرب في الرتبة 96 من أصل 135 دولة متخلفة (تسمى تجاوزا الدول السائرة في طريق النمو)، بمعنى آخر أن المغرب على رأس 40 دولة من أفقر دول العالم.
المؤشر الثاني: هو مؤشر الفقر (يسمى Iph-1) يتراوح بين حد أدنى 1.5 وحد أقصى 59.8 كنسبة مائوية لمعدل الفقر. المغرب يحتل نسبة 31.3% والحال أنه كلما كان هذا المؤشر قريبا من 59 كلما كانت نسبة الفقر عميقة وبنيوية.
المؤشر الثالث: احتمال الوفاة قبل 40 سنة، هذا المؤشر بالنسبة للمغرب يمثل 6.8%، بمعنى أن أكثر من 2 مليون و300 ألف مغربي مهددون بالموت قبل 40 سنة. وهذه نسبة خطيرة، حيث ظل هذا المؤشر يراوح مكانه منذ 1999 إلى 2007.
المؤشر الرابع: نسبة الساكنة المغربية المحرومة من الماء الصالح للشرب تصل إلى 17%.
المؤشر الخامس: أطفال أقل من 5 سنوات يعانون من قصور في التغذية المتوازنة نسبتهم 10% من سنة 2000 إلى 2006.
المؤشر السادس: الساكنة التي تعيش تحت خط الفقر (أقل من 14 درهما في اليوم) تصل إلى 14% من 2000 إلى 2007.
فمن خلال هذه المؤشرات يظهر أن مشكل التنمية البشرية في المغرب عميق ولا زلنا نبحث عن الحل، وما زالت الأشكال والآليات المعتمدة في التعامل مع التنمية البشرية لم تأخذ الطريق الصحيح نحو الحكامة الجيدة.

ارتباطا دائما بهذا الوضع الاجتماعي وبالمؤسسات الكبرى التي يمكن أن تقود التنمية البشرية.  ما هو موقفكم من تأهيل العديد من القطاعات الاستراتيجية العامة في اتجاه الخوصصة؟ 


بالنسبة لمسألة الخوصصة هي صيرورة بدأت منذ سنة 1989 بالمصادقة على قانون تحويل المنشآت العامة إلى القطاع الخاص، وهو مخطط رهيب، لماذا؟ لأنه في البداية توجه المشرع أن لا تدخل المؤسسات الإستراتيجية إلى لائحة المؤسسات المقبلة على الخوصصة، لكن بالمصادقة على القانون رقم 69.00 في 2003 تكون الدولة قد دخلت حمى المؤسسات الإستراتيجية بتهييئها وإعادة هيكلتها ليسهل تحويلها إلى القطاع الخاص، كذلك كان هذا المخطط يقوم بعملية ما يسمى إغراق المؤسسات العامة في مديونية عميقة وذلك بتوريط هذه المؤسسات من خلال مشاريع وهمية أو غير ناجعة، بحيث إن بعض المؤسسات الإستراتيجية في المغرب - وهذا مؤشر خطير- أصبح حجم الدّين الخارجي لديها يُضاعف ثلاث مرات حجم أصولها ، وهذه إستراتيجية معروفة ب"التخريب قبل التحرير". ويشهد على ذلك التقرير – والتقريع- الصادر في 2010 عن المجلس الأعلى للحسابات، فرغم انتقائية الملفات وغياب آليات للمحاسبة الشفافة، قد نقول إن هذه التقارير توظف توظيفا سياسويا لأجل ابتزاز الفاعلين السياسيين.
التخلي عن القطاعات الإستراتيجية لم يتوقف يوما حيث هي الآن تعد على رؤوس الأصابع: هناك بريد المغرب الذي حُول إلى شركة مساهمة مع قانون صودق عليه في 2009، المكتب الشريف للفوسفاط أصبح كذلك شركة مساهمة، المكتب الوطني للماء والمكتب الوطني للكهرباء اللذان يدمجان في إطار مؤسسة واحدة لكي يسهل جمع كل الأنشطة التي يقومان بها من خلال مؤسسة عمومية في مرحلة أولى ثم إلى شركة مساهمة مهيأة للرأس المال الأجنبي فيما بعد. إذن هي مؤسسات عمومية الآن لكنها مهيأة لكي يتم التخلي عنها للخواص.


المحور الثاني: واقع المشهد النقابي
 


ما هي الخطوات الأخرى للخروج بالعمل النقابي من واقع التشرذم إلى أفق أفضل للجميع؟ 


حقيقة هناك واقع نقابي متشرذم، وليست له فاعلية لدرجة أن الحكومة تجاوزت المركزيات النقابية في ملف كبير من حجم الحوار الاجتماعي، ينبغي أن نذكر بمسألة مهمة للتاريخ كانت بمثابة العامل الموحد للفاعلين النقابيين في المغرب عند تأسيس الاتحاد المغربي للشغل سنة 1955 حيث استطاعت مركزية وحيدة أن تجمع كل الأطراف والأطياف -سلفية وطنية، يسارية...- حول مشروع مجتمعي –استقلال المغرب- استطاع أن يوحد الجميع، لكن بعد ذلك تحول المشروع المجتمعي المشترك إلى مشاريع ظرفية إما بسبب التموقع مع المخزن أو بسبب الحزبية الضيقة.
فبالنسبة لنا نعتبر أن المدخل الحقيقي للخروج بالعمل النقابي من أزمته الحالية هو بناء حركة نقابية يكون عنوانها: العمل المشترك، ومشروعها حركة اجتماعية، وأساسها الحرية، وهدفها العدالة الاجتماعية. ولذلك فنحن نحذر، في حال عدم التوافق على هذا الحل، أن يزداد الوضع النقابي تشرذما والأزمة استفحالا، بل أكثر من هذا نحذر من مشروع المخزن النقابي، فقد عشنا عواقب المخزن السياسي والاقتصادي سابقا، والآن نعيش بوادر مشروع المخزن النقابي من خلال مناوراته بجمع فلول الغاضبين والمتذمرين من الوضع الحالي الناتج عن عدم تطوير المركزيات النقابية لأدوات اشتغالها وخطابها مما نتج عنه بون شاسع بين القيادات والقواعد ولعل المتتبع لمسيرات فاتح ماي يلمس هذا العزوف.

دائما في إطار الحديث عن أزمة العمل النقابي الراهنة وتراجع المركزيات جماهيريا نلاحظ أنه في انتخابات المأجورين الأخيرة حصل اللامنتمون على ما يفوق نسبة 64 في المائة من المقاعد. هل هي إدانة للعمل النقابي في المغرب؟
 
ظاهرة المستقلين في الانتخابات المهنية الأخيرة هي إشكالية لها أكثر من قراءة، فالمركزيات النقابية تعتبر مناديب العمال غير المنتمين لها أداة السلطة لضرب العمل النقابي، في حين يرى المستقلون أن العمل النقابي بشكله الحالي، أي في غياب الديمقراطية الداخلية وسيادة التبعية الحزبية لم يعد إطارا مريحا للعمل والاشتغال، إذن هناك قراءات متعددة، لكن في نظرنا هي ظاهرة جديرة بالدراسة والرصد، خاصة في القطاع الخاص الذي تعتبر الحكومة أن وجود المستقلين فيه هو ضمانة وعامل مشجع لاستقطاب الاستثمار الخارجي، ونرى أنه على العكس من ذلك هو إحدى المؤشرات على غياب حرية العمل النقابي وهو ما تعكسه التقارير الدولية.  

من داخل الممارسة الميدانية ما هو واقع حرية العمل النقابي (حق النقابات وممثليها في العمل النضالي والنقابي اليومي)؟
 
إشكالية الممارسة النقابية هي تابعة للإشكالات السابقة، فحرية الممارسة النقابية بالمغرب معرضة للتضييق أكثر من أي وقت مضى، إشكال نقابي ذاتي أصلا، إذ أن محاربة العمل النقابي الجاد تأتي أحيانا من داخل الدار وهو نتاج هيمنة الحزبي على هموم النقابة مما يدخل النقابات في صراعات بينية.

ومن جهة ثانية هناك جيل من الممارسين النقابيين الذين لم يعودوا مقتنعين بالمقاربة الظرفية لرواد العمل النقابي الذين ما زالوا على هرم المركزيات النقابية منذ التأسيس. هناك جيل أصبح يبحث عن ذاته ويمارس العمل النقابي بامتياز وبسقف نضالي ربما أعلى من المركزيات نفسها، هذا الجيل الآن أصبح يضع القيادات التاريخية للنقابات أمام خيارات، إما استيعاب هذه الممارسات النقابية وفتح المجال من أجل بناء نقابية جادة وحركة اجتماعية تأخذ زمام المبادرة، وإما ستنقلب هذه القيادات الشابة على تلك القيادات التاريخية.
أما الإشكال الثاني فهو تحكم الحزبي في النقابي، فإشكالية العمل النقابي في المغرب مرهونة بالأساس بالتبعية المكرهة للخيارات الحزبية. ينبغي للنقابات أن تتحرر من هذه التبعية، ينبغي أن تأخذ زمام المبادرة، ينبغي أن يكون لها مقاربتها الاجتماعية لبحث وإيجاد حلول عملية من خارج المقاربة الحزبية المرتهنة للمخزن.
إن استوفينا هذه الشروط، إن أكدنا على البناء الذاتي للحركة النقابية، وفتح المجال لهذا الشباب الممارس الذي تمرد على الخطوط الحمراء للقيادة التاريخية، إن أبعدنا العمل النقابي عن الجانب السلبي للتبعية الحزبية، سيمكننا أن نجابه المخزن الذي يحارب العمل النقابي. من غير هذا الإعداد الأولي لا يمكننا أن ننتصر في معركة إحقاق حق الممارسة النقابية.


المحور الثالث: تصور وأداء القطاع النقابي لجماعة العدل والإحسان
 


لأسباب موضوعية وأخرى ذاتية ترون أن تأسيس إطار نقابي خاص بكم (تابع لجماعة العدل والإحسان) غير وارد حاليا. ما هي الخيارات التي تتصورونها لحضوركم في الساحة النقابية؟
 
مسألة نقابة تابعة للجماعة، هذه إشكالية تم حسمها داخل المؤسسات التقريرية للقطاع، فنحن بعد قراءتنا المتأنية للمشهد النقابي وتحليلنا للأزمة التي يعيشها، خلصنا إلى أنه من أهم أسباب تراجع وتأزم الحركة النقابية المغربية هي تبعيتها وارتهانها للمقاربة الحزبية المنحبسة أو الماضية في طريق مسدود. لهذا فلا يمكن أن نقْدم على خطوة نراها أصل الداء، هذا رغم أن جماعة العدل والإحسان لا تشكل بطبيعة الحال حزبا سياسيا بما هو متعارف عليه في علم السياسة.
هذا أولا، أما ثانيا فتأسيس نقابة تابعة للعدل والإحسان يتنافى مع حرصنا على العمل المشترك مع وفي صف إطارات لها تصور واضح ولها مصداقية فعلية لمجابهة عوامل الهدم التي تنخر في الجسم النقابي.
فدورنا إذن هو تحصين الذات النقابية ثم الدفع في اتجاه سقف نضالي متحرر من إكراهات الهزيمة السياسية كل ذلك لتحقيق آمال أمتنا المستضعفة، فالقطاع النقابي هو الخلفية المؤطرة لفعلنا النقابي عبر آليات التكوين والتدريب لتأهيل أعضاء الجماعة – ذكورا وإناثا- ثم عبر آلية التواصل مع القوى الحية داخل النسيج النقابي، فنحن نبحث عن عناصر القوة والمصداقية، نبحث عن العناصر الفاعلة والمؤثرة لإيجاد نقاط الالتقاء معها ثم مد جسور العمل المشترك.
إذا سمحت الأستاذ رشيد، ألا ترون أن ما تطرحونه يبقى مجرد أماني وآمال وطموحات إذ أن السؤال المطروح: ما هي الخطوات العملية والإجرائية التي سلكتموها كقطاع نقابي فعليا للوصول إلى عمل نقابي مشترك؟
 
ما تقدمت به قبل قليل ليس أماني حالمة إنما تَحقق منه الشيء الكثير على أرض الواقع، فليس وحدنا من يحمل هذه الطموحات المشروعة، نعم لم نستنفذ بعد كل الخطوات العملية التي تتناسب مع واقع الحريات العامة في المغرب، فالذي يراقب العمل النقابي أو السياسي أو الحقوقي وحتى الجمعوي في بلادنا لن يتأخر في الوقوف على حرب شعواء يشنها المخزن وبكل الوسائل على كل الفاعلين الصادقين والمؤثرين على جميع المستويات. إذن فرغم واقع الاستبداد والتضييق على الحريات العامة ومنها الحريات النقابية، نعمل ولا نرى ذلك مبررا كي نستسلم أو نكتفي بالتفرج بل ندافع الواقع بكل ما أوتينا من قوة بل بتوكل على الله قبل كل شيء. لذلك تلاحظ أن عملنا مستمر وغير موسمي ولا مناسباتي كما يقول البعض، فإخواننا وأخواتنا يمارسون من خلال مواقعهم عملا نقابيا يوميا يتبنى ملفات مهنية واجتماعية ويخوضون مع نقاباتهم معارك نضالية متميزة تشهد بها القيادات النقابية قبل زملاء العمل، وحتى إلحاحنا على العمل المشترك بدأ يؤتي أكله مع مختلف الفاعلين الذين بدؤوا يقتنعون أننا لا نسعى إلى الهيمنة ولا نسعى لفرض آرائنا على الغير، وأننا نحترم كل الانتماءات السياسية والمشارب الفكرية، فقناعتنا راسخة أن لا أحد قادر لوحده على حل مشاكل المغرب ولا الخروج به من أزماته الاجتماعية.
أمام هذه الحالة المأزومة التي يعيشها العمل النقابي في المغرب (تشرذم – تفتت – تجاهل – ضعف) ألا يمكن القول بأن النقابة في المغرب تحتضر، فقط ينقصها توقيع "شهادة الوفاة" وبالتالي هل ما زلتم تراهنون على العمل النقابي مستقبلا؟
نعم لا زلنا نراهن على العمل النقابي الجاد والمسؤول، ونراهن على العمل السياسي الجاد والمسؤول، وعلى كافة الأشكال الجادة والمسؤولة من العمل المجتمعي ونعتبرها مدخلا أساسيا لإصلاح الأوضاع بالمغرب. التوصيف الذي طرحتم بشأن العمل النقابي المحتضر هو وضع يؤسفنا كثيرا رغم أننا نتفق مع التشخيص، أي إنه يعيش وضعا هشا ومأزوما، لهذا نعمل من داخل القطاع النقابي لنحافظ للعمل النقابي على ما تبقى من عناصر قوته ومناعته لأننا نراهن عليه لكي يتعافى ولكي يتحول في المستقبل إلى حركة اجتماعية قادرة على إرجاع زمام المبادرة وهذه رؤيتنا ومقاربتنا للوضعية التي لا نفرضها على أحد.   

المحور الرابع: آفاق العمل النقابي دوليا أمام تحديات العولمة
 
يرى البعض أن العمل النقابي عالميا وفي المغرب يعيش أزمة خانقة بسبب العولمة. ما هي آفاق العمل النقابي في ظل المتغيرات والتحولات الاقتصادية والسياسية والتقنية التي يعرفها العالم في ظل العولمة؟
العمل النقابي مر بمراحل تاريخية وكان في أوجه يشكل حركة اجتماعية تنشد التغيير المجتمعي، لكنه عرف انعطافات كبرى خاصة بعد ماي 1968 حيث بدأ الحديث عن مفهوم "الحركات الاجتماعية الجديدة"، كما سماها عالم الاجتماع الفرنسي آلان تورين "Alain Touraine"، بحيث تحولت الحركة النقابية من حركة اجتماعية تغييرية شاملة حول قضايا كبرى إلى حركة نقابية ذات أبعاد مطلبية مرتبطة فقط بميدان الشغل، وهذا تحول تاريخي أفقد العمل النقابي قوته وهويته الفكرية.

الإشكال الذي نعيشه الآن في ظل طغيان المنظومة الليبرالية المتوحشة التي تجنح للاستغناء عن العامل بسبب التقدم التقني، هذا الجنوح سينتج عنه جنوح نحو الجشع الربحي يغلف بمقولات الكفاءة والنجاعة وعقلنة التحملات وهو جشع ربحي عبر عن نفسه في الأزمة المالية الأخيرة. ونرى أن هذه الحركة العولمية المتوحشة ستدفع الحركة النقابية العالمية إلى ترتيب بيتها نحو مقاربات جوهرية للتغيير لأن انعدام الأمل وكثرة الضغط يولدان الانفجار. وما يقع هذه الأيام في اليونان شاهد على ذلك وينبغي أن يُقرأ جيدا، أولا لأن الصورة مقلوبة شيئا ما، فالمركزية النقابية المصممة على النضال تمثل القطاع الخاص، والحكومة المتعنتة هي حكومة اشتراكية، تم ثانيا لأن انعكاسات ما يقع في هذه الدولة المنخورة اقتصاديا سوف يتجاوزها إلى كل منطقة اليورو بشكل من الأشكال.
يجرنا الحديث عن العولمة إلى الحديث عن دور الدولة في إطار العمل النقابي، حيث نلاحظ أن هناك تراجع وانحسار لدور الدولة، بل تحالف مع الرأسمال. كيف تقيمون دور الدولة في هذا الإطار؟    

ارتباطا بالاستكبار العالمي والأزمة المالية الأخيرة التي اتخذت أبعادا خطيرة على المستوى الدولي، تتذكر أنه قبل حوالي 30 سنة كانت الولايات المتحدة الأمريكية تشكل نموذجا مهيمنا في بُعدين اقتصادي وفلسفي سياسي ، بريقا في لبرالية الاقتصاد والتداول المالي، وبريقا في الديمقراطية وحقوق الإنسان، أما الآن فقد بدأت تطرح أسئلة جدية ومحرجة على هذا النموذج بفعل احتضان الحكومات الأمريكية المتعاقبة للكيان الصهيوني الغاصب لأراضي المسلمين وتسانده وتقويه بالمال والسلاح، وهو ما يطرح تحديا وإشكالا على هذا المنتظم الدولي أو بالأحرى الفوضى الدولية، فعلوا ما لم نتمكن من الدعاية ضده عندما بددوا أحلام الشعوب المستضعفة نحو عيش حر كريم وسط غابة الرأسمالية المتوحشة، ثم ضربوا في العمق شعاراتهم حول الديمقراطية وحقوق الإنسان سواء بسبب ما يقع في فلسطين وغزة الحصار وقدس التهويد، أو ما يقع في أفغانستان وباكستان والعراق وكثير من الدول التي تجد الأيادي الخفية للاستكبار العالمي تعمل ليل نهار من أجل زعزعة الاستقرار الداخلي وتوطين الاستبداد المحلي لكي تضمن تبعية الاقتصاد والسياسة المحلية للفوضى الدولية.
ومن تم فالقناعة تزداد على المستوى الشعبي بأن المدخل للتغيير هو التخلص من الطغيان والاستبداد المحلي الذي يتحكم فيه الطغيان الخارجي.
أخيرا، ماذا تقولون للعمال في المغرب وفي العالم؟
ذ. بوصيري: أقول للطبقة العاملة والمعطلة والمُهجرة بدافع الظلم والجوع أن الحل بين أيدينا، الحل هو العمل المشترك من أجل انتزاع الحرية، وانتزاع الكرامة الآدمية والعدالة الاجتماعية.
 


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

خواطر على الهامش

التاريخ لا يعيد نفسه

الهجرة النبوية، بأي معنى؟